فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)}.
اعلم أن المراد أنه قال بعضهم لبعض: {وَإِذَا اعتزلتموهم} واعتزلتم الشيء الذي يعبدونه إلا الله فإنكم لم تعتزلوا عبادة الله: {فَأْوُواْ إِلَى الكهف} قال الفراء هو جواب إذ كما تقول إذ فعلت كذا فافعل كذا، ومعناه: إذهبوا إليه واجعلوه مأواكم: {يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مّن رَّحْمَتِهِ} أي يبسطها عليكم: {وَيُهَيّئ لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مّرْفَقًا} قرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية مرفقًا بفتح الميم وكسر الفاء والباقون مرفقًا بكسر الميم وفتح الفاء، قال الفراء: وهما لغتان واشتقاقهما من الارتفاق، وكان الكسائي ينكر في مرفق الإنسان الذي في اليد إلا كسر الميم وفتح الفاء، والفراء يجيزه في الأمر وفي اليد وقيل هما لغتان إلا أن الفتح أقيس والكسر أكثر وقيل المرفق ما ارتفقت به، والمرفق بالفتح المرافق ثم قال تعالى: {وَتَرَى الشمس إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ اليمين وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشمال} وفيه مباحث:
البحث الأول:
قرأ ابن عامر {تَزْوَرُّ} ساكنة الزاي المعجمة مشددة الراء مثل تحمر، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي {تزاور} بالألف والتخفيف والباقون {تزاور} بالتشديد والألف والكل بمعنى واحد، والتزاور هو الميل والانحراف، ومنه زاره إذا مال إليه والزور الميل عن الصدق، وأما التشديد فأصله تتزاور سكنت التاء الثانية وأدغمت في الزاي، وأما التخفيف فهو تفاعل من الزور وأما تزور فهو من الازورار.
البحث الثاني:
قوله: {وَتَرَى الشمس} أي أنت أيها المخاطب ترى الشمس عند طلوعها تميل عن كهفهم وليس المراد أن من خوطب بهذا يرى هذا المعنى ولكن العادة في المخاطبة تكون على هذا النحو، ومعناه أنك لو رأيته على هذه الصورة.
البحث الثالث:
قوله: {ذَاتَ اليمين} أي جهة اليمين وأصله أن ذات صفة أقيمت مقام الموصوف لأنها تأنيث ذو في قولهم رجل ذو مال، وامرأة ذات مال، والتقدير كأنه قيل تزاور عن كهفهم جهة ذات اليمين، وأما قوله: {وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشمال} ففيه بحثان:
البحث الأول:
قال الكسائي قرضت المكان أي عدلت عنه وقال أبو عبيدة القرض في أشياء فمنها القطع، وكذلك السير في البلاد أي إذا قطعها.
تقول لصاحبك هل وردت مكان كذا فيقول المجيب إنما قرضته فقوله: {تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشمال} أي تعدل عن سمت رؤوسهم إلى جهة الشمال.
البحث الثاني:
للمفسرين هاهنا قولان: القول الأول: أن باب ذلك الكهف كان مفتوحًا إلى جانب الشمال فإذا طلعت الشمس كانت على يمين الكهف وإذا غربت كانت على شماله فضوء الشمس ما كان يصل إلى داخل الكهف، وكان الهواء الطيب والنسيم الموافق يصل، والمقصود أن الله تعالى صان أصحاب الكهف من أن يقع عليهم ضوء الشمس وإلا لفسدت أجسامهم فهي مصونة عن العفونة والفساد.
والقول الثاني: أنه ليس المراد ذلك، وإنما المراد أن الشمس إذا طلعت منع الله ضوء الشمس من الوقوع.
وكذا القول حال غروبها، وكان ذلك فعلًا خارقًا للعادة وكرامة عظيمة خص الله بها أصحاب الكهف، وهذا قول الزجاج واحتج على صحته بقوله: {ذلك مِنْ آيات الله} قال ولو كان الأمر كما ذكره أصحاب القول الأول لكان ذلك أمرًا معتادًا مألوفًا فلم يكن ذلك من آيات الله، وأما إذا حملنا الآية على هذا الوجه الثاني كان ذلك كرامة عجيبة فكانت من آيات الله، واعلم أنه تعالى أخبر بعد ذلك أنهم كانوا في متسع من الكهف ينالهم فيه برد الريح ونسيم الهواء، قال: {وَهُمْ في فَجْوَةٍ مّنْهُ} أي من الكهف، والفجوة متسع في مكان، قال أبو عبيدة وجمعها فجوات، ومنه الحديث: «فإذا وجد فجوة نص» ثم قال تعالى: {ذلك مِنْ آيات الله} وفيه قولان الذين قالوا إنه يمنع وصول ضوء الشمس بقدرته قالوا المراد من قوله ذلك أي ذلك التزاور والميل، والذين لم يقولوا به قالوا المراد بقوله ذلك أي ذلك الحفظ الذي حفظهم الله في الغار تلك المدة الطويلة، من آيات الله الدالة على عجائب قدرته وبدائع حكمته، ثم بين تعالى أنه كما أن بقاءهم هذه المدة الطويلة مصونًا عن الموت والهلاك من تدبيراته ولطفه وكرمه، فكذلك رجوعهم أولًا عن الكفر ورغبتهم في الإيمان كان بإعانة الله ولطفه فقال: {مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد} مثل أصحاب الكهف: {وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّا مُّرْشِدًا} كدقيانوس الكافر وأصحابه، ومناظرات أهل الجبر والقدر في هذه الآية معلومة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {ويهيئ لكم من أمركم مرفقًا} فيه وجهان: أحدهما: سعة.
الثاني: معاشًا.
ويحتمل ثالثًا: يعني خلاصًا، ويقرأ: {مِرْفقًا} بكسر الميم وفتح الفاء {ومَرفِقًا} بفتح الميم وكسر الفاء، والفرق بينهما أنه بكسر الميم وفتح الفاء إذا وصل إليك من غيرك، وبفتح الميم وكسر الفاء إذا وصل منك إلى غيرك.
قوله عز وجل: {وترى الشمس إذا طَلَعَتْ تزوار عن كهفهم ذاتَ اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال} فيه وجهان:
أحدهما: تعرض عنه فلا تصيبه.
الثاني: تميل عن كهفهم ذات اليمين.
{وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: معنى تقرضهم تحاذيهم، والقرض المحاذاة، قاله الكسائي والفراء.
الثاني: معناه تقطعهم ذات الشمال أي أنها تجوزهم منحرفة عنهم، من قولك قرضته بالمقراض أي قطعته.
الثالث: معناه تعطيهم اليسير من شعاعها ثم تأخذه بانصرافها، مأخوذ من قرض الدراهم التي ترد لأنهم كانوا في مكان موحش، وقيل لأنه لم يكن عليهم سقف يظلهم ولو طلعت عليهم لأحرقتهم.
وفي انحرافها عنهم في الطلوع والغروب قولان:
أحدهما: لأن كهفهم كان بإزاء بنات نعش فلذلك كانت الشمس لا تصيبه في وقت الشروق ولا في وقت الغروب، قاله مقاتل.
الثاني: أن الله تعالى صرف الشمس عنهم لتبقى أجسامهم وتكون عبر لمن يشاهدهم أو يتصل به خبرهم.
{وهم في فجوة منه} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: يعني في فضاء منه، قاله قتادة.
الثاني: داخل منه، قاله سعيد بن جبير.
الثالث: أنه المكان الموحش.
الرابع: أنه ناحية متسعة، قاله الأخفش، ومنه قول الشاعر:
ونحن ملأنا كلَّ وادٍ وفجوةٍ ** رجالًا وخيلًا غير ميلٍ ولا عُزْلِ

اهـ.

.قال ابن عطية:

وقولهم {وإذ اعتزلتموهم} الآية أن القيام في قوله: {إذ قاموا} عزمًا كما تضمن التأويل الواحد وكان القول منهم فيما بينهم فهذه المقالة يصح أن تكون من قولهم الذي قالوه عند قيامهم، وإن كان القيام المذكور مقامهم بين يدي الملك فهذه المقالة لا يترتب أن تكون من مقالهم بين يدي الملك، بل يكون في الكلام حذف تقديره وقال بعضهم لبعض، وبهذا يترجح أن قوله تعالى: {إذ قاموا فقالوا} إنما المراد به إذ عزموا ونفذوا لأمرهم، وقوله: {إلا الله} إن فرضنا الكفار الذين فر أهل الكهف منهم لا يعرفون الله ولا علم لهم به، وإنما يعتقدون الألوهية في أصنامهم فقط، فهو استثناء منقطع ليس من الأول، وإن فرضناهم يعرفون الله ويعظمونه كما كانت تفعل العرب لكنهم يشركون أصنامهم معه في العبادة فالاستثناء متصل، لأن الاعتزال وقع في كل ما يعبد الكفار إلا في جهة الله تعالى، وفي مصحف ابن مسعود {وما يعبدون من دون الله}، قال قتادة هذا تفسيرها، قال هارون وفي بعض مصاحفه {وما يعبدون من دوننا}، فعلى ما قال قتادة تكون {إلا} بمنزلة غير، و{ما} من قوله: {وما يعبدون} في موضع نصب عطفًا على الضمير في قوله: {اعتزلتموهم}، ومضمن هذه الآية أن بعضهم قال لبعض إذ فارقنا الكفار وانفردنا بالله تعالى فلنجعل الكهف مأوى ونتكل على الله تعالى فإنه سيبسط لنا رحمته وينشرها علينا ويهيئ لنا من أمرنا {مرفقًا}، وهذا كله دعاء بحسب الدنيا، وعلى ثقة من الله كانوا في أمر آخرتهم، وقرأ نافع وابن عامر: {مَرفِقًا} بفتح الميم وكسر الفاء، وهو مصدر كالرفق فيما حكى أبو زيد، وهي قراءة أبي جعفر والأعرج وشيبة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي والحسن وطلحة والأعمش وابن أبي إسحاق {مِرفَقًا} بكسر الميم وفتح الفاء، ويقالان جميعًا في الأمر وفي الجارحة، حكاه الزجاج، وذكر مكي عن الفراء أنه قال: لا أعرف في الأمر وفي اليد وفي كل شيء إلا كسر الميم، وأنكر الكسائي أن يكون المرفق من الجارحة إلا بفتح الميم وكسر الفاء، وخالفه أبو حاتم، وقال المَرفق بفتح الميم الموضع كالمسجد وهما بعد لغتان.
{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ}.
بين هاتين الآيتين اقتضاب يبينه ما تقدم من الآيات، تقديره فآووا وضرب الله على آذانهم ومكثوا كذلك، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {تزّاور} بتشديد الزاي وإدغام التاء، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: {تزَاور} بتخفيفها بتقدير تتزاور فحذفت إحدى التاءين، وقرأ ابن عامر وابن أبي إسحاق وقتادة {تزور} في وزن تحمر، وقرأ الجحدري وأبو رجاء {تزوار} بألف بعد الواو، ومعنى اللفظة على كل هذا التصريف تعدل وتروغ وتميل، وهذه عبارات المفسرين، أما أن الأخفش قال: {تزور} معناه تنتقض والزور الميل، والأزور في العين المائل النظر إلى ناحية، ويستعمل في غير العين كقول ابن أبي ربيعة:
وجنبي خيفة القوم أزور

ومن اللفظة قول عنترة: الكامل:
فازور من وقع القنا بلبانه

ومنه قول بشر بن أبي حازم: الوافر:
تؤم بها الحداة مياه نخل ** وفيها عن أبانين ازورار

وفي حديث غزوة مؤتة، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في سرير عبد الله بن رواحة ازورارًا عن سرير جعفر وزيد بن حارثة»، وقرأ الجمهور: {تقرضهم} بالتاء، وفرقة {يقرضهم} بالياء، أي الكهف كأنه من القرض وهو القطع، أي يقتطعهم الكهف بظله من ضوء الشمس، وجمهور من قرأ بالتاء، فالمعنى أنهم كانوا لا تصيبهم شمس البتة وهو قول ابن عباس، فيتأولون {تقرضهم} بمعنى تتركهم، أي كأنها عنده تقطع كلّ ما لا تناله عن نفسها، وفرقة ممن قرأ بالتاء تأول أنها كانت بالعشي تنالهم، فكأنها {تقرضهم} أي تقتطعهم مما لا تناله، وقالوا كان في مسها لهم بالعشي صلاح لأجسامهم، وحكى الطبري أن العرب تقول: قرضت موضع كذا أي قطعته، ومنه قول ذي الرمة: الطويل:
إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف ** شمالًا وعن أيمانهن الفوارس

ومنه أقرضني درهمًا أي اقطعه لي من مالك، وهذه الصفة مع {الشمس} تقتضي أنه كان لهم حاجب من جهة الجنوب وحاجب من جهة الدبور وهم في زاويته، وحكى الزجاج وغيره قال: كان باب الكهف ينظر إلى بنات نعش، وقاله عبد الله بن مسلم وهذا نحو ما قلناه، غير أن الكهف كان مستور الأعلى من المطر، وذهب الزجاج إلى أن فعل الشمس كان آية من الله تعالى دون أن يكون باب الكهف إلى جهة توجب ذلك، وقوله: {ذات اليمين وذات الشمال} يحتمل أن يريد ذات يمين الكهف بأن نقدر باب الكهف بمثابة وجه إنسان فإن الشمس تجيء منه أول النهار عن يمين، وآخره عن شمال، ويحتمل أن يريد ذات يمين الشمس وذات شمالها، بأن نقدر الشعاع الممتد منها إلى الكهف بمثابة وجه إنسان، والوجه الأول أصح والفجوة المتسع وجمعها فجى، قال قتادة: في فضاء منه، ومنه الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير العنف فإذا وجد فجوة نص، وقال ابن جبير: {في فجوة} في مكان داخل، وقوله: {ذلك من آيات الله} الإشارة إلى الأمر بجملته، وعلى قول الزجاج إن الشمس كانت تزاور وتقرض دون جحاب تكون الإشارة إلى هذا المعنى خاصة ثم تابع بتعظيم الله عز وجل والتسليم له وما يقتضي صرف الآمال إليه. اهـ.